فصل: تفسير الآيات (76- 81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (65- 69):

{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)}

.شرح الكلمات:

{من في السموات والأرض}: الملائكة والناس.
{الغيب إلا الله}: أي ما غاب عنهم ومن ذلك متى قيام الساعة إلا الله فإنه يعلمه.
{أيَّان يبعثون}: أي متى يبعثون.
{بل ادارك علمهم في الآخرة}: أي تلاحق وهو ما منهم أحد إلا يظن فقط فلا علم لهم بالآخرة بالمرة.
{بل هم منها عمون}: أي في عمى كامل لا يبصرون شيئاً من حقائقها.
{أئنا لمخرجون}: أي أحياء من قبورنا.
{لقد وعدنا هذا}: أي البعث أحياء من القبور.
{أساطير الأولين}: أي أكاذيبهم التي سطروها في كتبهم.
{كيف كان عاقبة المجرمين}: أي المكذبين بالبعث كانت دماراً وهلاكاً وديارهم الخاوية شاهدة بذلك.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} لما سأل المشركون من قريش النبي صلى اللهعليه وسلم عن الساعة أمره تعالى أن يجيبهم بهذا الجواب {قل لا يعلم} إلخ.. والساعة من جملة الغيب بل هي أعظمه. {من في السموات} من الملائكة {والأرض} من الناس {إلا الله} أي لكن الله تعالى يعلم غيب السموات والأرض أما غيره فلا يعلم إلا ما علمه الله علام الغيوب.
وقوله تعالى: {وما يشعرون أيَّان يبعثون} أي وما يشعر أهل السموات وأهل الأرض متى يبعث الأموات من قبورهم للحساب والجزاء وهذا كقوله تعالى في سورة الأعراف.
{يسالونك عن الساعة قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تاتيكم إلا بغتة} وقوله تعالى: {بل ادَّارَكَ علمهم في الآخرة} قرئ {بل أَدْرَكَ علمهم في الآخرة} أي بلغ حقيقته يوم القيامة إذ يصبح الإِيمان بها الذي كان غيباً شهادة ولكن لا ينفع صاحبه يومئذ. وقرئ: {بل ادارك علمهم} أي علم المشركين بالآخرة. أي تلاحق وأدرك بعضه بعضاً وهو أنه لا علم لهم بها بالمرة. ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {بل هم في شك منها بل هم منها عمون} أي لا يرون شيئاً من دلائلها، ولا حقائقها بالمرة ويدل على هذا ما أخبر به تعالى عنهم من أنهم لا يؤمنون بالساعة بالمرة في قوله: {وقال الذين كفروا أئذا كنا تراباً وآباؤنا أئنا لمخرجون} أي من قبورنا احياء. والاستفهام للانكار الشديد ويؤكدون إنكارهم هذا بقولهم.
لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل أي من قبل أن يعدنا محمد. {إن هذا} أي الوعد بالبعث والجزاء {إلا أساطير الأولين} أي أكاذيبهم وحكاياتهم التي يسطرونها في الكتب ويقرأونها على الناس. وقوله تعالى في آخر آية من هذا السياق (69): {قل سيروا في الأرض} أي قل لهم يا رسولنا سيروا في الأرض جنوباً أو شمالاً أو غرباً {فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} أي أهلكناهم لما كذبوا بالبعث كما كذبتم، فالقادر على خلقهم ثم إماتتهم قادر قطعاً على بعثهم وإِحيائهم لمحاسبتهم وجزائهم بكسبهم. فالبعث إذاً ضروري لا ينكره ذو عقل راجح أبداً.

.من هداية الآيات:

1- حصر علم الغيب في الرب تبارك وتعالى. فمن ادعى أنه يعلم ما في غد فقد كذب.
2- تساوي علم أهل السماء والأرض في الجهل بوقت قيام الساعة.
3- المكذبون بيوم القيامة سيوقنون به في الآخرة ولكن لا ينفعهم ذلك.
4- إهلاك الله الأمم المكذبة بالبعث بعد خلقهم ورزقهم دليل على قدرته تعالى على بعثهم لحسابهم وجزائهم.

.تفسير الآيات (70- 75):

{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)}

.شرح الكلمات:

{ولا تحزن عليهم. الآية}: المراد به تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم.
{مما يمكرون}: أي بك إذْ حالوا قتله ولم يفلحوا.
{متى هذا الوعد}: أي بعذابنا.
{بعض الذي تستعجلون}: وقد حصل لهم في بدر.
{إن الله لذو فضل على الناس}: أي في خلقهم ورزقهم وحفظهم وعدم إنزال العذاب بهم.
{ما تكن صدورهم}: أي ما تخفيه وتستره صدورهم.
{وما من غائبة}: أي ما من حادثة غائبة في السماء والأرض الا في كتاب مبين هو اللوح المحفوظ مدونة فيه مكتوبة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في دعوة المشركين على التوحيد والإِيمان بالنبوة والبعث الآخر ولقد تقدم تقرير كل من عقيدة التوحيد بأدلة لا تُرد، وكذا تقرير عقيدة البعث والجزاء ولكن المشركين ما زالوا يعارضون ويمانعون بل ويمكرون فلذا نهى الله تعالى رسوله عن الحزن على المشركين في عدم إيمانهم كما نهاه عن ضيق صدره مما يمكرون ويكيدون له ولدعوة الحق التي يدعو إليها. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (70) وأما الآية الثانية والثالثة فإنه تعالى يخبر رسوله بما يقول أعداؤه ويلقنه الجواب. فقال تعالى: (71): {ويقولون متى هذا الوعد}- أي بالعذاب- {إن كنتم صادقين}- فيما تقولون وتعبدون- {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون} أي اقترب منكم ودنا وهو ما حصل لهم في بدر من السر والقتل هذا ما دلت عليه الآيتان (71 و72).
وقوله تعالى: {وإن ربك لذو فضل على الناس} مؤمنهم وكافرهم إذ خلقهم ورزقهم وعافاهم ولم يهلكهم بذنوبهم {ولكن أكثرهم لا يشكرون} فهاهم أولاء يستعجلون العذاب ويطالبون به ومع هذا يمهلهم لعلهم يتوبون، وهذا أعظم فضل. وقوله تعالى: {وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يلعنون} أي لا يخفى عليه من أمرهم شيء وسيحصى لهم أعمالهم ويجزيهم بها وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم وتهديد وقوله تعالى: {وما من غائبة في السماء والرض إلا في كتاب مبين}. وهو اللوح المحفوظ أي إن علم ربك أحاط بكل شيء ولا يعزب عنه شيء وهذا مظهر من مظاهر العلم الإِلهي المستلزم للبعث والجزاء، إذ لو قل علمه بالخلق لكان من الجائز أن يترك بعضاً لا يبعثهم ولا يحاسبهم ولا يجزيهم.

.من هداية الآيات:

1- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يعانى شدة من ظلم المشركين وإعراضهم.
2- بيان تعنت المشركين وعنادهم.
3- تحقق وعد الله للمشركين حيث نزل بهم بعض العذاب الذي يستعجلون.
4- بيان فضل الله تعالى على الناس مع ترك أكثرهم لشكره سبحانه وتعالى.
5- بيان إِحاطة علم الله بكل شيء.
6- إثبات وتقرير كتاب المقادير، وهو اللوح المحفوظ.

.تفسير الآيات (76- 81):

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)}

.شرح الكلمات:

{يقص على بني إسرائيل}: أي بذكر أثناء آياته كثيراً مما اختلف فيه بنو إسرائيل.
{لهدى ورحمة للمؤمنين}: أي به تتم هداية المؤمنين ورحمتهم.
{يقضى بينهم بحكمه}: أي يحكم بين بني إسرائيل بحكمه العادل.
{وهو العزيز العليم}: الغالب على أمره، العليم بخلقه.
{فتوكل على الله}: أي ثق فيه وفوض امرك إيله.
{إنك لا تسمع الموتى}: أي لو أردت أن تسمعهم لأنهم موتى.
{ولا تسمع الصم الدعاء}: أي ولا تقدر على إسماع كلامك الصم الذين فقدوا حاسة السمع.
{إذا ولوا مدبرين}: أي إذا رجعوا مدبرين عنك غير ملتفتين إليك.
{إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا}: أي ما تسمع إلا من يؤمن بآيات الله.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إن هذا القرآن} الكريم الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم {يقص على بني إسرائيل} المعاصرين لنزوله {أكثر الذي هم فيه يختلفون} كاختلافهم في عيسى عليه السلام ووالدته، إذ غلا فيهما البعض وأفرطوا فألَّهوهما وفرط فيهما البعض فقالوا في عيسى ساحر، وفي مريم عاهرة لعنهم الله، وكاختلافهم في صفات الله تعالى وفي حقيقة المعاد، وكاختلافهم في مسائل شرعية وأخرة تاريخية. وقوله تعالى: {وإنه لهدى ورحمة} أي وإن القرآن الكريم لهدى، أي لهادٍ لمن آمن به إلى سبيل السلام ورحمة شاملة {للمؤمنين} به، العالملين بما فيه من الشرائع والآداب والأخلاق. وقوله تعالى: {إن ربك} أي أيها الرسول {يقضي بينهم} أي بين الناس من وثنيين وأهل كتاب يوم القيامة بحكمه العادل الرحيم، {وهو العزيز} الغالب الذي ينفذ حكمه فيمن حكم له أو عليه {العليم} بالمحقين من المبطلين من عباده فلذا يكون حكمه أعدل وأرحم ولذا {فتوكل على الله} أيها الرسول بالثقة فيه وتفويض أمرك إليه فإنه كافيك. وقوله: {إنك على الحق المبين} أي إنك يا رسولنا على الدين الحق الذي هو الإسلام وخصومك على الباطل فالعاقبة الحسنى لك، لا محالة. وقوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى} والكفار موتى بعدم وجود روح الإِيمان في أجسامهم والميت لا يسمع فلذا لا تقدر على إسماع هؤلاء الكافرين الأموات، كما انك {لا تسمع الصم} أي الفاقدين لحاسة السمع {الدعاء} أي دعاءك {إذا ولوا مدبرين} أي إذا رجعوا مدبرين غير ملتفتين غليك. {وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم} التي يعيشون عليها فهوِّن على نفسك ولا تكرب ولا تحزن {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} أي ما تسمع إسماع تفهم وقبول إلا المؤمنين بآيات الله، {فهم مسلمون} أي فهم من أجل إيمانهم مسلمون أي منقادون خاضعون لشرع الله وأحكامه.

.من هداية الآيات:

1- شرف القرآن وفضله.
2- لن ينتهي خلاف اليهود والنصارى إلا بالإسلام فإذا اسلموا اهتدوا للحق وانتهى كل خلاف بينهم.
3- كل خلاف بين الناس اليوم سيحكم الله تعالى بين اهله يوم القيامة بحكمه العادل ويوفى كلا ماله أو عليه وهو العزيز العليم.
4- الكفار أموات لخلو أبدانهم من روح الإيمان فلذا هم لا يسمعون الهدى ولا يبصرون الآيات مهما كانت واضحات.
فعلى داعيهم أن يعرف هذا فيهم وليصبر على دعوتهم ودعاويهم.

.تفسير الآيات (82- 86):

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}

.شرح الكلمات:

{وقع القول عليهم}: أي حق عليهم العذاب.
{دابة من الأرض}: حيوان يدب على الأرض لم يرد وَصْفُها في حديث صحيح يعول عليه ويقال به.
{تكلم الناس}: بلسان يفهمونه لأنها آية من الآيات.
{أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون}: أي بسبب أن الناس أصبحوا لا يؤمنون بآيات الله وشرائعه أي كفروا فيبلون بهذه الدابة.
{ويوم نحشر}: أي اذكر يوم نحشر أي نجمع.
{من كل أمة فوجاً}: أي طائفة وهم الرؤساء المتبعون في الدنيا.
{فهم يوزعون}: أي يجمعون برد أولهم على آخرهم.
{حتى إذا جاءوا}: أي الموقف مكان الحساب.
{وقع القول عليهم}: أي حق عليهم العذاب.
{بما ظلموا}: أي بسبب الظلم الذي هو شركهم بالله تعالى.
{فهم لا ينطقون}: أي لا حجة لهم.
{والنهار مبصراً}: أي يبصر فيه من أجل التصرف في الأعمال.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم} أي حق العذاب على الكافرين حيث لم يبق في الأرض من يأمر بمعروف ولا من ينهى عن منكر {أخرجنا لهم} لفتنتهم {دابة من الأرض} حيوان أرضى ليس بسماوي {تكلمهم} أي بلسان يفهمونه، {أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} هذه علة تكليمهم وهي بأن الناس كفروا وما أصبحوا يوقنون بآيات الله وشرائعه فيخرج الله تعالى هذه الدابة لِحِكَم منها: أن بها يتميز المؤمن من الكافر. وقوله تعالى: {ويوم نحشر من كل أمة فوجاً} أي واذكر يا رسولنا {يوم نحشر من كل أمة} من الأمم البشرية {فوجاً} أي جماعة {ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون} بأن يرد أولهم على آخرهم لينتظم سيرهم {حتى إذا جاءوا} الموقف موضع الحساب يقول الله تعالى لهم: {أكذبتم بآياتي} وما اشتملت عليه من أدلة وحجج وشرائع وأحكام {ولم تحيطوا بها علماً}، وهذا تقريع لهم وتوبيخ. إذ كون الإنسان لم يحظ علماً بشيء لا يجوز له أن يكذب به لمجرد أنه ما عرفه. وقوله: {أم ماذا كنتم تعملون} أي ما الذي كنتم تعملون في آياتي من تصديق وتكذيب. قال تعالى: {ووقع القول عليهم} أي وجب العذاب {بِما ظلموا} أي بسبب ظلمهم {فهم لا ينطقون}. أي بمعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم لأنهم ظَلَمَه مشركون. وقوله تعالى: {ألم يروا} أي الم يبصر أولئك المشركون المكذبون بالبعث والجزاء أن الله تعالى جعل {الليل ليسكنوا فيه} وسكونهم هو موتهم على فرشهم بالنوم فيه {والنهار} أي وجعل {النهار مبصراً} أي يبصر فيه ليتصرفوا فيه بالعمل لحياتهم، فنوم الليل شبيه بالموت وانبعاث النهار شبيه بالحياة، فهي عملية موت وحياة متكررة طوال الدهر فكيف ينكر العقلاء البعث الآخر وله صورة متكررة طوال الحياة، ولذا قال تعالى: {إن في ذلك} أي في ذلك العمل المتكرر للموت والحياة كل يوم وليلة {لآيات} أي براهين وحجج قاطعة على وجود بعث وحياة بعد هذا الموت والحياة.
وخص المؤمنون بالذكر وبالحصول على البرهان المطلوب من عملية الليل والنهار لأن المؤمنين أحياء يسمعون ويبصرون ويفكرون والكافرين أموات والميت لا يسمع ولا يبصر ولا يعي ولا يفكر.

.من هداية الآيات:

1- تأكيد آية الدابة والتي تخرج من صدع من الصفا وقد وجد الصدع الآن فيما يبدو وهي الأنفاق التي فتحت في جبل الصفا وأصبحت طرقاً عظيمة للحجاج، وعما قريب تخرج، وذلك يوم لا يبقى من يأمر بالمعروف ولا من ينهى عن المنكر فيحق العذاب على الكافرين.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر وصف لها.
3- ويل لرؤساء الضلالة والشر والشرك والباطل إذ يؤتى بهم ويسألون.
4- في آية الليل والنهار ما يدل بوضوح على عقيدة البعث الآخر والحساب والجزاء.

.تفسير الآيات (87- 90):

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}

.شرح الكلمات:

{ويوم ينفخ في الصور}: أي يوم ينفخ إسرافيل في البوق نفخة الفزع والفناء والقيام من القبور.
{وكل أتوه داخرين}: أي وكل من أهل السماء والأرض أتوا الله عز وجل داخرين أي أذلاء صاغرين.
{وترى الجبال تحسبها جامدة}: أي تظنها في نظر العين جامدة.
{وهي تمر مر السحاب}: وذلك لسرعة تسييرها.
{من جاء بالحسنة}: وهي الإِيمان والتوحيد وسائر الصالحات.
{فله خير منها}: أي الجنة.
{ومن جاء بالسيئة}: أي الشرك والمعاصي فله النار يكب وجهه فيها.
{وهم من فزع يومئذ آمنون}: أي أصحاب حسنات التوحيد والعمل الصالح آمنون من فزع هول يوم القيامة.
{ومن جاء بالسيئة فكبت}: أي جاء بالسيئة كالشرك وأكل الربا، وقتل النفس، فكبت وجوههم في النار والعياذ بالله أي القوا فيها على وجوههم.
{هل تجزون إلا ما كنتم تعملون}: أي ما تجزون غلا بعملكم، ولا تجزون بعمل غيركم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر أحداث القيامة تقريراً لعقيدة البعث والجزاء التي هي الباعث على الاستقامة في الحياة. فقال تعالى: {ويوم ينفخ في الصور} أي ونفخ إسرافيل بإذن ربه في الصور الذي هو القرن أو البوق {ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} وهي نفخة الفزع فتفزع لها الخلائق إلا من استثنى الله تعالى وهم الشهداء فلا يفزعون وهي نفخة الفناء أيضاً إذ بها يفنى كل شيء، وقوله تعالى: {وكل أتوه} أي أتوا الله تعالى {داخرين} أي صاغرين ذليلين أتوه إلى المحشر وساحة فصل القضاء وقوله: {وترى الجبال تحسبها جامدة} أي لا تتحرك وهي في نفس الواقع تسير سير السحاب {صنع الله الذي أتقن كل شيء} أي أوثق صنعه وأحكمه {إنه خبير بما تفعلون} وسيجزيكم أيها الناس بحسب علمه {من جاء بالحسنة} وهي الإيمان والعمل الصالح {فله خير منها} ألا وهي الجنة {ومن جاء بالسيئة} وهي الشرك والمعاصي {فكبت وجوههم في النار} فذلك جزاء من جاء بالسيئة.
وقوله تعالى: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} أي لا تجزون غلا ما كنتم تعملونه في الدنيا من خير وشر وقد تم الجزاء بمقتضى ذلك فقوم دخلوا الجنة وآخرون كبت وجوههم في النار.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها مفصلة.
2- بيان كيفية خراب العوالم وفناء الأكوان.
3- فضل الشهداء حيث لا يحزنهم الفزع الأكبر وهم آمنون.
4- تقرير مبدأ الجزاء وهو الحسنة والسيئة، حسنة التوحيد وسيئة الشرك.

.تفسير الآيات (91- 93):

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}

.شرح الكلمات:

{هذه البلدة}: أي مكة المكرمة والاضافة للتشريف.
{الذي حرمها}: أي الله الذي حرم مكة فلا يختلى خلاها ولا ينفَّر صيدها ولا يقاتل فيها.
{من المسلمين}: المؤمنين المنقادين له ظاهراً وباطناً وهم اشرف الخلق.
{وأن أتلو القرآن}: أي أمرني أن أقرأ القرآن إنذاراً وتعليماً وتعبداً.
{سيريكم آياته}: أي مدلول آيات الوعيد فيعرفون ذلك وقد أراهموه في بدر وسيرونه عند الموت.
{وما ربك بغافل عما يعملون}: أي وما ربك أيها الرسول بغافل عما يعمل الناس وسيجزيهم بعملهم.

.معنى الآيات:

إنه بعد ذلك العرض الهائل لأحداث القيامة والذي المفروض فيه أن يؤمن كل من شاهده ولكن القوم ما آمن أكثرهم ومن هنا ناسب بيان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنه عبد مأمور بعبادة ربه لا يغر ربه الذي هو رب هذه البلدة الذي حرمها فلا يقاتل فيها ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلالها ولا تلتقط لقطتهها إلا لمن يعرفها، وله كل شيئ خلقاً وملكاً وتصرفاً فليس لغيره معه شيء في العوالم كلها علويّها وسفلِيّها وقوله: {وأمرت أن أكون من المسلمين} أي وأمرني ربي أن أكون في جملة المسلمين أي المنقادين لله والخاضعين له وهم صالحو عباده من الأنبياء والمرسلين. وقوله: {وأن أتلو القرآن} أي وأمرني أن أتلو القرآن تلاوة إنذار وتعليم وتعبداً وتقرباً إليه تعالى وبعد تلاوتي فمن اهتدى عليها فعرف طريق الهدى وسلكه فنتائج الهداتية وعائدها عائد عليه هو الذي ينتفع بها. ونم ضل فلم يقبل الهدى وأقام على ضلالته فليس علي هدايته لأن ربي قال لي قل لمن ضل {إنما أنا من المنذرين} لا من واهبى الإِيمان والهداية إنما يهب الهداية ويمن بها الله الذي بيده كل شيء {وقل الحمد لله} وأمرني أن أحمده على كل ما وهبني من نعم لا تعد ولا تحصى ومن أجلِّها إكرامه لي بالرسالة التي شرفني بها على سائر الناس فالحمد لله والمنة له وقوله: {سيريكم آياته فتعرفونها} أي وأعلم هؤلاء المشركين أن الله ربي سيريكم آياته في مستقبل أيامكم وقد اراهم أول آية في بدر وثاني آية في الفتح وآخر آية عند الموت يوم تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وتقول لهم {ذوقوا عذاب الحريق} وقوله تعالى: {وما ربك بغافل عما تعملون} أي وما ربك الذي أكرمك وفضلك أيها الرسول {بغافل عما تعملون} أيها الناس مؤمنين وكافرين وصالحين وفاسدين وسيجزى كلاً بعمله وذلك يوم ترجعون إليه ففي الآية وعد ووعيد.

.من هداية الآيات:

بيان وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها عبادة الله والإِسلام له، وتلاوة القرآن إنذاراً وإِعذاراً وتعليماً وتَعَبُّداً به وتقراباً إلى منزله عز وجل.
2- بيان وتقرير حرمة مكة المكرمة والحرم.
3- الندب إلى حمد الله تعالى على نعمة الظاهرة والباطنة ولاسيما عند تجدد النعمة وعند ذكرها.
4- بيان أن عوائد الكسب عائدة على الكاسب خيراً كانت أو شراً.
5- بيان معجزة القرآن الكريم إذ ما أعلم به المشركين أنهم سيرونها قد رأوه فعلاً وهو غيب، فظهر كما أخبر.